وعليكم السلام ورحمة الله وبركاتة
فاستمع ـ يا أخي المسلم ـ إلى دار بناها الله بيده، لبنة من ذهب ولبنة من فضة،
ملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها
ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم، وقال الله
لها: انطقي، فقالت: قد أفلح المؤمنون.
نعم، المؤمنون المتقون يا عباد الله، يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى
الرَّحْمَنِ وَفْدًا [مريم:85]، وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى
الْجَنَّةِ زُمَرًا [الزمر:73].
إنها الجنة يا عبد الله، التي قال الله تعالى عنها: ((أعددت لعبادي الصالحين
ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)).
فما بالك ـ يا عبد الله ـ بجنة عرضها السماوات والأرض، ما بين مصراعي الباب
مسيرة أربعين عامًا، وليأتين المؤمن فيها خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها
ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا، فيها
غرف يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطاب الكلام،
وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام.
فيها شجرة يسير الراكب الجواد المضمّر السريع مائة عام ما يقطعها، وساقها من
ذهب، غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، جنتان منها،
فيهما من كل فاكهة زوجان، وجنتان فيهما فاكهة ونخل ورمان، قد ذللت قطوفها
تذليلاً، إن قام تناولها بيسر، وإن قعد تناولها بيسر، وإن اضطجع تناولها بيسر،
كلما أخذ منها شيئًا خلفه آخر.
فيها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة
للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، يطوف عليهم ولدان مخلدون، إذا رأيتهم حسبتهم
لؤلؤًا منثورًا من جمالهم وانتشارهم في خدمة أسيادهم، يطوفون عليهم بكأس من
معين، بيضاء لذة للشاربين، في آنية الفضة وصحاف من ذهب وأكواب من فضة في صفاء
القوارير، شرابهم التسنيم والزنجبيل والكافور، وطعامهم فاكهة مما يتخيرون،
ألين من الزبد وأحلى من العسل، ولحم طير مما يشتهون، يُعطى الواحد منهم قوة
مائة في الأكل والشرب والجماع، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوّة، على خلق رجل
واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعًا في السماء، جرد مرد مكحلون، ولو أن
رجلاً من أهل الجنة اطلع فبدا أساوره لطمس ضوء الشمس، لا غل بينهم ولا حسد ولا
بغضاء.
أما نساؤهم من الحور العين فلو اطلعت إحداهن إلى الأرض لأضاءت الدنيا، ولملأت
ما بينها ريحًا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها، وللرجل من أهل
الجنة زوجتان من الحور العين، على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء
الثياب، وأنشأهن الله إنشاءً فجعلهن أبكارًا، كلما أتاها زوجها رجعت بكرًا كما
كانت، متوددة إلى زوجها متحببة إليه، قصرت طرفها عليه، طاهرة مطهرة من الأنجاس
والأقذار والأرجاس، وإنهن ليغنين لأزواجهن بأحسن أصوات، ما سمعهن أحد قط.
وإن أهل الجنة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون ولا يتفلون، أمشاطهم الذهب،
يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤًا ولباسهم فيها حرير، هم وأزواجهم في ظلال
على الأراك متكئون، متكئون على فرش بطائنها من استبرق، وجنى الجنتين دان،
يلهمون التسبيح كما تلهمون النفس.
وإن في الجنة لسوقًا يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم
وثيابهم فيزدادون حسنًا وجمالاً، فيرجعون إلى أهلهم وقد ازدادوا حسنًا
وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالاً، فيقولون:
وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالاً.
وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون، لا يبغون عنها حولاً ولا
هم منها مخرجون، وينادي فيهم مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا، وإن لكم
أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن
تنعموا فلا تبأسوا، فذلك قول الله عز وجل: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ
أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف:43]، ثم يحل عليهم رضوانه
فلا يسخط عليهم بعده أبدًا، ويذبح الموت بين الجنة والنار.
فإذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد: يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدًا
يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا
ويُدْخِلَنا الجنة ويزحزحنا عن النار؟! قال: فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه،
فوالله ما أعطاهم الله شيئًا أحب إليهم من النظر إليه ولا أقرّ لأعينهم منه،
وهو أعلى نعيم أهل الجنة في الجنة. فإنهم ينعمون برؤية ربهم البر الرحيم الذي
مَنّ عليهم حتى أوصلهم بفضله إلى دار السلام والنعيم، يرونه عيانًا بأبصارهم
كما قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ
[القيامة:22، 23].
وإن سألتم عن أهلها والطريق الموصل إليها فاستمع إلى قول الحق جل وعلا: قَدْ
أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ
وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ
فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى
أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ
فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ
هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى
صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ
يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:1-11].
عباد الله، ((إن آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة ويكبو مرة، وتسفعه النار
مرة، فإذا ما جاوزها التفت إليها، فقال: تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني
الله شيئًا ما أعطاه أحدًا من الأولين والآخرين، فتُرفعُ له شجرة فيقول: أي رب
أدنني من هذه الشجرة لأستظل بظلها وأشرب من مائها، فيقول الله عز وجل: يا ابن
آدم لعلّي إن أعطيتكها سألتني غيرها، فيقول: لا يا رب، ويعاهده أنه لا يسأل
غيرها، وربّه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها
ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى فيقول: أي رب، أدنني من
هذه لأشرب من مائها وأستظل بظلها لا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم، ألم
تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: لعلّي إن أدنيتك منها تسألني غيرها،
فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه
منها، فيستظل بظلها ويشرب من مائها، ثم تُرفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن
من الأولين فيقول: أي رب، أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها لا أسألك
غيرها، فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا رب،
هذه لا أسألك غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر عليه فيدنيه منها، فإذا
أدناه منها فيسمع أصوات أهل الجنة، فيقول: أي رب أدخلنيها، فيقول: يا ابن آدم
ما يصريني منك ـ أي: ما يقطع مسألتك مني ـ أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها
معها، قال: يا رب، أتستهزئ بي وأنت رب العالمين؟! فيضحك الله فيقول: إني لا
أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر)) رواه مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه.
وبعد: عباد الله، أسمعتم إلى حال أدنى أهل الجنة منزلة في الجنة، إنه لنعيم
عظيم فما بالكم بأعلاها، إنها ـ والله ـ لفرصة عظيمة للراغبين في دخولها، لا
سيما في هذا الشهر العظيم الذي يتفضل الله فيه على عباده فيعتقهم من النار
ويدخلهم الجنات، فاعمل يا عبد الله.
واعمل لدار غدًا رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها </B>
فاستمع ـ يا أخي المسلم ـ إلى دار بناها الله بيده، لبنة من ذهب ولبنة من فضة،
ملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها
ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم، وقال الله
لها: انطقي، فقالت: قد أفلح المؤمنون.
نعم، المؤمنون المتقون يا عباد الله، يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى
الرَّحْمَنِ وَفْدًا [مريم:85]، وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى
الْجَنَّةِ زُمَرًا [الزمر:73].
إنها الجنة يا عبد الله، التي قال الله تعالى عنها: ((أعددت لعبادي الصالحين
ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)).
فما بالك ـ يا عبد الله ـ بجنة عرضها السماوات والأرض، ما بين مصراعي الباب
مسيرة أربعين عامًا، وليأتين المؤمن فيها خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها
ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا، فيها
غرف يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطاب الكلام،
وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام.
فيها شجرة يسير الراكب الجواد المضمّر السريع مائة عام ما يقطعها، وساقها من
ذهب، غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، جنتان منها،
فيهما من كل فاكهة زوجان، وجنتان فيهما فاكهة ونخل ورمان، قد ذللت قطوفها
تذليلاً، إن قام تناولها بيسر، وإن قعد تناولها بيسر، وإن اضطجع تناولها بيسر،
كلما أخذ منها شيئًا خلفه آخر.
فيها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة
للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، يطوف عليهم ولدان مخلدون، إذا رأيتهم حسبتهم
لؤلؤًا منثورًا من جمالهم وانتشارهم في خدمة أسيادهم، يطوفون عليهم بكأس من
معين، بيضاء لذة للشاربين، في آنية الفضة وصحاف من ذهب وأكواب من فضة في صفاء
القوارير، شرابهم التسنيم والزنجبيل والكافور، وطعامهم فاكهة مما يتخيرون،
ألين من الزبد وأحلى من العسل، ولحم طير مما يشتهون، يُعطى الواحد منهم قوة
مائة في الأكل والشرب والجماع، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوّة، على خلق رجل
واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعًا في السماء، جرد مرد مكحلون، ولو أن
رجلاً من أهل الجنة اطلع فبدا أساوره لطمس ضوء الشمس، لا غل بينهم ولا حسد ولا
بغضاء.
أما نساؤهم من الحور العين فلو اطلعت إحداهن إلى الأرض لأضاءت الدنيا، ولملأت
ما بينها ريحًا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها، وللرجل من أهل
الجنة زوجتان من الحور العين، على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء
الثياب، وأنشأهن الله إنشاءً فجعلهن أبكارًا، كلما أتاها زوجها رجعت بكرًا كما
كانت، متوددة إلى زوجها متحببة إليه، قصرت طرفها عليه، طاهرة مطهرة من الأنجاس
والأقذار والأرجاس، وإنهن ليغنين لأزواجهن بأحسن أصوات، ما سمعهن أحد قط.
وإن أهل الجنة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون ولا يتفلون، أمشاطهم الذهب،
يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤًا ولباسهم فيها حرير، هم وأزواجهم في ظلال
على الأراك متكئون، متكئون على فرش بطائنها من استبرق، وجنى الجنتين دان،
يلهمون التسبيح كما تلهمون النفس.
وإن في الجنة لسوقًا يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم
وثيابهم فيزدادون حسنًا وجمالاً، فيرجعون إلى أهلهم وقد ازدادوا حسنًا
وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالاً، فيقولون:
وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالاً.
وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون، لا يبغون عنها حولاً ولا
هم منها مخرجون، وينادي فيهم مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا، وإن لكم
أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن
تنعموا فلا تبأسوا، فذلك قول الله عز وجل: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ
أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف:43]، ثم يحل عليهم رضوانه
فلا يسخط عليهم بعده أبدًا، ويذبح الموت بين الجنة والنار.
فإذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد: يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدًا
يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا
ويُدْخِلَنا الجنة ويزحزحنا عن النار؟! قال: فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه،
فوالله ما أعطاهم الله شيئًا أحب إليهم من النظر إليه ولا أقرّ لأعينهم منه،
وهو أعلى نعيم أهل الجنة في الجنة. فإنهم ينعمون برؤية ربهم البر الرحيم الذي
مَنّ عليهم حتى أوصلهم بفضله إلى دار السلام والنعيم، يرونه عيانًا بأبصارهم
كما قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ
[القيامة:22، 23].
وإن سألتم عن أهلها والطريق الموصل إليها فاستمع إلى قول الحق جل وعلا: قَدْ
أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ
وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ
فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى
أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ
فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ
هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى
صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ
يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:1-11].
عباد الله، ((إن آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة ويكبو مرة، وتسفعه النار
مرة، فإذا ما جاوزها التفت إليها، فقال: تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني
الله شيئًا ما أعطاه أحدًا من الأولين والآخرين، فتُرفعُ له شجرة فيقول: أي رب
أدنني من هذه الشجرة لأستظل بظلها وأشرب من مائها، فيقول الله عز وجل: يا ابن
آدم لعلّي إن أعطيتكها سألتني غيرها، فيقول: لا يا رب، ويعاهده أنه لا يسأل
غيرها، وربّه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها
ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى فيقول: أي رب، أدنني من
هذه لأشرب من مائها وأستظل بظلها لا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم، ألم
تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: لعلّي إن أدنيتك منها تسألني غيرها،
فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه
منها، فيستظل بظلها ويشرب من مائها، ثم تُرفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن
من الأولين فيقول: أي رب، أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها لا أسألك
غيرها، فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا رب،
هذه لا أسألك غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر عليه فيدنيه منها، فإذا
أدناه منها فيسمع أصوات أهل الجنة، فيقول: أي رب أدخلنيها، فيقول: يا ابن آدم
ما يصريني منك ـ أي: ما يقطع مسألتك مني ـ أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها
معها، قال: يا رب، أتستهزئ بي وأنت رب العالمين؟! فيضحك الله فيقول: إني لا
أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر)) رواه مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه.
وبعد: عباد الله، أسمعتم إلى حال أدنى أهل الجنة منزلة في الجنة، إنه لنعيم
عظيم فما بالكم بأعلاها، إنها ـ والله ـ لفرصة عظيمة للراغبين في دخولها، لا
سيما في هذا الشهر العظيم الذي يتفضل الله فيه على عباده فيعتقهم من النار
ويدخلهم الجنات، فاعمل يا عبد الله.
واعمل لدار غدًا رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها </B>