هذي رواية قرأته وعجبتني اتمن تعجبكم انتو كمان
يالله نبدي
__________________________________________
بكاء تحت المطر
في يوم غائم ممطر التقيت به اول مرة..كان شارد اللب حزين تقطر عيناه دموع ومرارة..كنت أسوأ حالا قلب وقالب..احسست بأعماقي أنه مصدوم..صدمة قوية أطاحت بكل آماله وأحلامه..كما ان حياتي بأسرها هي صدمة..صدمة مؤلمة منذ بدايتها وإلى الآن وحتى النهاية..لابصيص نور يضيء حياتي ولو حتى انكسار ضوء يبدد العتمة..
سألته وحبات من الدموع تغرق عيني:
- أهي أزمة مالية..أم اجتماعية؟
أجاب بانكسار معذب:
لاهذه ولاتلك..
استطرد بعد ان نضر إلي بشرود
- ربما هي ازمة عمرية..وربما هي ليست ازمة بمعنى الكلمة..فكلمة أزمة هي كلمة فضفاضة واسعة تحمل الف معن ومعنى..بينما ما اعانيه وما اشعر به وما احسه لا علاقة له بتلك الكلمة لامن قريب ولا من بعيد..
تمالكت نفسي وحاولت السيطرة على مشاعري المنهارة..ابتلعت دموعي المنسابة داخلي وغصة ألم تقتادني بمرارة نحو تهاليز لا أجهلها
اغتصبت ابتسامة وانا اقول:
- أهو لغز ام فزورة..؟
تنهد بقوة خلت معها ان قلبه سيقفز خارج صدره..قال بكلمات اعتت رنينها:
- أتفضلين أن اجلس كما أنا؟أم لابد من ذالك المقعد الطويل لما له من أهمية لديكم أيها الأطباء النفسيون؟
ترددت لبرهة..لا..لن أعامل كأي مريض يزور عيادتي..إنه..هو..حالة خاصة جدا..وجلوسه على المقعد الإعتيادي سيجعله أكثر قرب مني..وأكثر صدق..وأقل مرارة..لن أجعله يشعر بالفروق الفردية بيننا كطبيبة ومريضها..سأعامله كصديق..كقريبيحكي لصديقه عن عذاباتهوكأننا نجلس في احد الشوارع أو في مطعم للوجبات السريعة..سأكون كما لم أكن قبل,الأم والصديقة والطبيبة..
هززت كتفي بلا مبالاة وأنا أقول:
- كما يحلو لك..ولتبق مكانك إن اردت..
وأضفت برقة:
- لنتحدث كأصدقاء..
التفت إلي فجأة وتألقت عيناه ببريق لطالما أحببته..
همس بصون خافت:
- غريبة..إن الأطباء الذين زرتهم كانو دائما يصرون على أن أستلقي على ذالك المقعد..
هتفت بمرح:
- إذن أنا لست أول طبيبة تزورها
رد بأسى
- بالضبط يادكتورة..فلقد زرت خمسة من الأطباء قبل أن أسمع بك..وللأسف كلهم تجاريون..ولم أجلس عند أي منهم أكثر من خمس دقائق فقط
ازداد الصخب في أعماقي وأنا اسأله:
- لق تجاوزت فترة مكوثك لدي الخمس عشرة دقيقة فهل تفضل الإنصراف أم..؟
- لقد إرتحت هنا..وأعتقد أن من أهم بنود العلاج النفسي هي ارتياح المريض للطبيب وثقته به..
التزمت الصمت وإبتسامة ثقة ترتسم على شفتي المرتجفتين
انه يرتاح لي..إنه يثق بي..انه..لا..لا..الماضي لايمكن أن يعود..يجب أن أنسى..وهيهات أن أنسى..
أفقت فجأة من تأملاتي على صوته المتذبذب..هدير صوته كشلال ينساب في أعماقي فيوقضني..ويوقضني حتى الحنين..حتى الألم..حتى جروحي الذاكرة المقفلة على صديد..سألني بغتة:
- دكتورة..هل أبدء من البداية..أعني بداية قصة حياتي..
ترددت برهة قبل أن أقول:
- دع نفسك على سجيتك وحدثني في أي موضوع ترتاح إليه,حديث الأصدقاء أو كماتحب أن يكون..
أغمض عينيه بشدة,وكأنه يحجب صورة بشعة عن ناضريه كأنه يهرب من قدر يضارده..
وأضحيتنفسي أتامله..أتأمله كما لم أتأمل مريض يدخلعيادتي..بشعره الأسود الداكن وأنفه الروماني الدقيق..وإستدارة الوجه العجيبة..إنها الإستدارة بنفسها بالشارب الأسود الخفيف نفسه..والشفتين الممتلئتين..وكأنهما غاضبتان من العالم بأسره..
اهتزت رموشه فجأة لتضيء عينيه دموع..دموع حقيقية..دموع رجل في قمة مأساته..قمة معاناته..منتهى الإنهيار والخضوع..
قال بتداع:
- أكره الأطباء..لم أفكر بالرجوع إلى احدهم حتى تجاوزت مأساتي(إن صح إطلاق عليهارقب مأساة)خطوطها الحمراء..طفولتي كانت عادية,أو هذا ماأذكره منها إنها كانت عادية..لاشيء غير اعتيادي سوى إنفصال أمي وأبي بالطلاق..مشاكل وقضاي وتخبط في أوراق المحاكم..انتهت بأن انضممت إلى أمي أنا وأختي الصغر,بين ما أخواتي الثلاث الكبيرات ذهبن على غير إرادتهن إلى أبي..أمي لم تكن قاسية ولم تكن حنونة بل كانت حزينة..حزينة ويائسةإلى حد الجنون..عشت معها وأختي في جو كئب حزين تخيم عليه التعاسة من كل جانب..ولم نكن نرى أبي ولاحتى أخواتي,وكأنهم إنفصلو عن دنيانا إلى دنيا أخرى وعالم أخر لايمت لعالمنا بصلة..
صمت وعيناه تغيمان بسحابة حزن غامضة..نضر إلي فجأة وهو يسأل عن الوقت..
ابتسمت وأنا أبادله السأل ألا ترغب في إكمال الحديث؟
- لقد مضت ساعة وأنا لست المريض الوحيد..سأتي فيما بعد
أيقنت أنه يهرب من شيء ما..شيىء لم يذكره ولا يريدذكره..لم أشأ الضغط عليه..وإبقائه رغماعنه..فهاذا يفشل خطة العلاج ويدمر العلاج بين الطبيب والمريض,يجب أن يشعر بالحاجة لي من تلقاء نفسه..يجب أن يعود دون أية ضغوط..
هززت كتفي بلا مبالاة قائلة:
- حسنا هذا يكفي اليوم..إذا شئت الرجوع مرة أخر فالرجاء أن تأخذ موعد لاحق..
نضر إلي بدون تركيز وهو يهمس:
- سأعود..حتما سأعود..
كان هذا هو اللقاء الأول لي معه..مع الصورة المجسمة لحبيبي الراحل..صورة خلتها عادت من لحم ودم كما كانت قبل أعوام..زوجي وحبيبي حسن..الهيئة نفسها..والمنضر نفسه,وله ذات الوجه الأسمر المهيب والشارب الأسود الخفيف..والشفتان ذاتهما الغاضبتان من العالم بأسره..هو..هو بشحمه ولحمه..هو هذا المريض..خالد..ظهوره سكب الملح على جراحي وأيقض حنيا يسكن الضلوع..ضهوره أعاد لي ذكريات الماضي القريب إلى نفسي,لم يكن حبي له وليد المصادفة..أو الضروف..بل ولد معي وتنفسته مع هوائي وعايشته بأجوائي..فهو ابن عمي وأقرب قريب لي..أحببته منذ الطفولة وعايشته في صباي وتعاهدن على الزواج ونحن على مشارف المراهقة..لم يخب أبواي رجائي..ولم تكتنف طريق حبنا عثرة من أي نوع..كان كل شيء سهلا ميسرا بصورة تبعث على الشك..وكيف ليى أن أرتاب في أن سعادتي ستغتال في أقرب فرصة..وأنني سأعود عما قريب صفر اليدين وحيدة إلا من ذكرياتي..أجتر أحزان هائلة يعجز عنها قلب بشر..وجراح عميقة تمزق أعت القلوب..
زففت إلى حسن في ليلة حلوة بهيجة..رقص فيه كل شيء حولي,حتى أشياء حجرتي الصغيرة..ارتديت الثوب الأبيض الذي أهداه لي حسن,والعقد الماسي الذي قال لي يوما أنه يحاكي لون قلبي..
بدوة جميلة كما لم أكن أبدا من قبل..سعادتي الداخلية أطفت على مظهري الخارجي رونقا لم أكن أعهده..غدوت حديث الجميع في تلك الليلة حتى ابنة خالتي الغيورة همست بحقد إخترق أذني:
- إنها تبدو جميلة على غير العادة..
لم أعر أحدا إنتباهن ومضيت في طريقي غير عابئة بأح استقبل سعادتي المنتظرة بكل شوق وحب ولهفة..
تزوجت..وتفقت معه أن لا يفرقن عن بعض إلا الموت..وهيهات للموت أن يتغلغل إلى أفكارنا حين ذاك,ونحن في قمة الفرح والسعادة..كانت كلمة الموت في ذالك الوقت بالنسبة لنا كقصة اصطورية..كضهور طبق طائر في الفضاء تثير صخريتنا أكثر مما تثير خوفنا..
وتكلل حبنا بضهور أول طفل لنا..وقتها ضهرت أول مشكلة في حياتنا..كانت تبدو لي حينها ضخمة مجسمة محيرة..وهي إكمال دراستي في كلية الطب,وقد إجتزت المستوى الثالث بنجاح مشرف..اعترض حسن على ذالك وقال لي بأن رعاية الطفل أهم..بينما أصررت على رايي وخيرته بين إكمال دراستي وحياتنا معا..
تذكرت الدموع التي انسابت على وجهه حين ذاك وهو يهمس:
- ألهذه الدرجة أبدو تافه في نضرك..تفضلين دراستك علي؟
أسرعت إليه تسابق دموعي دموعه..وأعلنت له بكل حرارة بأن حبي له وحياتي معه أثمن من أي شهادة في العالم..ومضت حياتنا في سعادة خالصة حتى أحسست بما إعترى زوجي وحبيبي من تغير..لاحضت شحوبه ونحوله..وشروده الدائم والصداع القاتل الذي يكاد يمزق رأسه..طلبت منه مرارن أن يعرض نفسه على طبيب..
إجابته الدائمة كانت أن مابه لا يعد صداع نصفي ستقضي عليه المسكنات وأن هذا هو تشخيص كل طبيب زاره..
إحساس خفي يؤكد لي أنه يكذب,وأنه يحاول أن يجنبني عذاب لا طاقة لي بحمله..
قلبي يود تصديقه وينفي كل إحتمال أخر بكذبه..وكيف لي أن أكذبه وهو حياتي التي اعيشها وعمري الذي احياه حتى صقط بين أقدامي ذات يوم فاقد الوعي..حاولت إسعافه بأدويته التي يتناوله عادة,ولكن بدون أية فائدة..اتصلت بوالده الذي حضر على الفور وساعدني على إفاقته من الغيبوبة ودموعه لاتفارق خديه..
-هتفة جزعة:عمي..ماذا حصل..هل زوجي حسن مريض؟
هز رأسه دون أن يتكلم..
صرخت دون وعي:
- مابه؟
ارتجفت شفتاه وهو يقول برهبة:
- ذلك المرض اللعين..السلطان..
أغمي غلي وأفقت على واقع بشع مخيف..يخلو من حبيب العمر حسن..انطفأت شمعة حياتي وغدا عالمي حالك الضلام..حالك الدواد..
صرختمن أعماقي..لماذا لم تخبرني من قبل؟لم لم تدعني أشاركك مأساتك ومرضك وعذابك وقد تشاركن من قبل في كل شيء..في حلاوة الدنيا ومرارتها.لم حاولت أن تجنبني العذاب لأصحو على عذاب أشد قسوة..وأكثر مرارة..لما حرمتني من وداعك..لأعطيك من أنفاسي حرارة تبعث الحياة في جسدك وأعطيك من حبي دفقة أمل تواجه به المرض الكاسر وتهزمه..وضاعت صرخاتي وسط صدى الأحزان ولكني لم أبك..لم أذرف دمعة واحدة..تحجرت دموعي لتدميني من الداخل ول تفرج أحزان تشق من حمله الأضلاع ..
كل شيء يذكرني به..كل كلمة أستشعره بوجوده..حتى وجه طفلي الحبيب أبيت النضر إليه ودموع الداخل تنساب دون حساب..وعيناي جافتان بدون دموع..فقط حين رأيت خالد بكيت!!فوجودهأعاد صورة حسن إلى ذهني..بشبابه وصحته وحيويته..حسن كما عرفته دائما وكما تمنيت دائما أن يكوم..ضهور خالد أعادني إلى واقع لطالما أردت الهروب منه..إن حسن موجود بأعماقي لم يمت ولن يمت..هو حبي الوحيد الذي يسري في دمائي,ولن أنساه ماحييت رغم إنشغالي بدراستي في السنوات الماضية,وتخرجي من الجامعة..حتى طفلي لم ينس والده,وما فتئ يذكره في صحوه ومنامه ويسألني عنه في كل شاردة وواردة وماذا كان يحب وماذا كان يكره رغم مرور سيع سنوات على رحيله..
أيقضني صوت المعلمة من تأملاتي:
- دكتوره..لقد حان موعد الإنصراف..هل ترغبين بشيء؟
مسحت دمعة فرت من عيني وأنا أجيبه بستسلام:
- شكرن ياهدى..مع السلامة
* * * *
________________________________________
يتبع
بعد شوفت ردودكم الحلوة
يالله نبدي
__________________________________________
بكاء تحت المطر
في يوم غائم ممطر التقيت به اول مرة..كان شارد اللب حزين تقطر عيناه دموع ومرارة..كنت أسوأ حالا قلب وقالب..احسست بأعماقي أنه مصدوم..صدمة قوية أطاحت بكل آماله وأحلامه..كما ان حياتي بأسرها هي صدمة..صدمة مؤلمة منذ بدايتها وإلى الآن وحتى النهاية..لابصيص نور يضيء حياتي ولو حتى انكسار ضوء يبدد العتمة..
سألته وحبات من الدموع تغرق عيني:
- أهي أزمة مالية..أم اجتماعية؟
أجاب بانكسار معذب:
لاهذه ولاتلك..
استطرد بعد ان نضر إلي بشرود
- ربما هي ازمة عمرية..وربما هي ليست ازمة بمعنى الكلمة..فكلمة أزمة هي كلمة فضفاضة واسعة تحمل الف معن ومعنى..بينما ما اعانيه وما اشعر به وما احسه لا علاقة له بتلك الكلمة لامن قريب ولا من بعيد..
تمالكت نفسي وحاولت السيطرة على مشاعري المنهارة..ابتلعت دموعي المنسابة داخلي وغصة ألم تقتادني بمرارة نحو تهاليز لا أجهلها
اغتصبت ابتسامة وانا اقول:
- أهو لغز ام فزورة..؟
تنهد بقوة خلت معها ان قلبه سيقفز خارج صدره..قال بكلمات اعتت رنينها:
- أتفضلين أن اجلس كما أنا؟أم لابد من ذالك المقعد الطويل لما له من أهمية لديكم أيها الأطباء النفسيون؟
ترددت لبرهة..لا..لن أعامل كأي مريض يزور عيادتي..إنه..هو..حالة خاصة جدا..وجلوسه على المقعد الإعتيادي سيجعله أكثر قرب مني..وأكثر صدق..وأقل مرارة..لن أجعله يشعر بالفروق الفردية بيننا كطبيبة ومريضها..سأعامله كصديق..كقريبيحكي لصديقه عن عذاباتهوكأننا نجلس في احد الشوارع أو في مطعم للوجبات السريعة..سأكون كما لم أكن قبل,الأم والصديقة والطبيبة..
هززت كتفي بلا مبالاة وأنا أقول:
- كما يحلو لك..ولتبق مكانك إن اردت..
وأضفت برقة:
- لنتحدث كأصدقاء..
التفت إلي فجأة وتألقت عيناه ببريق لطالما أحببته..
همس بصون خافت:
- غريبة..إن الأطباء الذين زرتهم كانو دائما يصرون على أن أستلقي على ذالك المقعد..
هتفت بمرح:
- إذن أنا لست أول طبيبة تزورها
رد بأسى
- بالضبط يادكتورة..فلقد زرت خمسة من الأطباء قبل أن أسمع بك..وللأسف كلهم تجاريون..ولم أجلس عند أي منهم أكثر من خمس دقائق فقط
ازداد الصخب في أعماقي وأنا اسأله:
- لق تجاوزت فترة مكوثك لدي الخمس عشرة دقيقة فهل تفضل الإنصراف أم..؟
- لقد إرتحت هنا..وأعتقد أن من أهم بنود العلاج النفسي هي ارتياح المريض للطبيب وثقته به..
التزمت الصمت وإبتسامة ثقة ترتسم على شفتي المرتجفتين
انه يرتاح لي..إنه يثق بي..انه..لا..لا..الماضي لايمكن أن يعود..يجب أن أنسى..وهيهات أن أنسى..
أفقت فجأة من تأملاتي على صوته المتذبذب..هدير صوته كشلال ينساب في أعماقي فيوقضني..ويوقضني حتى الحنين..حتى الألم..حتى جروحي الذاكرة المقفلة على صديد..سألني بغتة:
- دكتورة..هل أبدء من البداية..أعني بداية قصة حياتي..
ترددت برهة قبل أن أقول:
- دع نفسك على سجيتك وحدثني في أي موضوع ترتاح إليه,حديث الأصدقاء أو كماتحب أن يكون..
أغمض عينيه بشدة,وكأنه يحجب صورة بشعة عن ناضريه كأنه يهرب من قدر يضارده..
وأضحيتنفسي أتامله..أتأمله كما لم أتأمل مريض يدخلعيادتي..بشعره الأسود الداكن وأنفه الروماني الدقيق..وإستدارة الوجه العجيبة..إنها الإستدارة بنفسها بالشارب الأسود الخفيف نفسه..والشفتين الممتلئتين..وكأنهما غاضبتان من العالم بأسره..
اهتزت رموشه فجأة لتضيء عينيه دموع..دموع حقيقية..دموع رجل في قمة مأساته..قمة معاناته..منتهى الإنهيار والخضوع..
قال بتداع:
- أكره الأطباء..لم أفكر بالرجوع إلى احدهم حتى تجاوزت مأساتي(إن صح إطلاق عليهارقب مأساة)خطوطها الحمراء..طفولتي كانت عادية,أو هذا ماأذكره منها إنها كانت عادية..لاشيء غير اعتيادي سوى إنفصال أمي وأبي بالطلاق..مشاكل وقضاي وتخبط في أوراق المحاكم..انتهت بأن انضممت إلى أمي أنا وأختي الصغر,بين ما أخواتي الثلاث الكبيرات ذهبن على غير إرادتهن إلى أبي..أمي لم تكن قاسية ولم تكن حنونة بل كانت حزينة..حزينة ويائسةإلى حد الجنون..عشت معها وأختي في جو كئب حزين تخيم عليه التعاسة من كل جانب..ولم نكن نرى أبي ولاحتى أخواتي,وكأنهم إنفصلو عن دنيانا إلى دنيا أخرى وعالم أخر لايمت لعالمنا بصلة..
صمت وعيناه تغيمان بسحابة حزن غامضة..نضر إلي فجأة وهو يسأل عن الوقت..
ابتسمت وأنا أبادله السأل ألا ترغب في إكمال الحديث؟
- لقد مضت ساعة وأنا لست المريض الوحيد..سأتي فيما بعد
أيقنت أنه يهرب من شيء ما..شيىء لم يذكره ولا يريدذكره..لم أشأ الضغط عليه..وإبقائه رغماعنه..فهاذا يفشل خطة العلاج ويدمر العلاج بين الطبيب والمريض,يجب أن يشعر بالحاجة لي من تلقاء نفسه..يجب أن يعود دون أية ضغوط..
هززت كتفي بلا مبالاة قائلة:
- حسنا هذا يكفي اليوم..إذا شئت الرجوع مرة أخر فالرجاء أن تأخذ موعد لاحق..
نضر إلي بدون تركيز وهو يهمس:
- سأعود..حتما سأعود..
كان هذا هو اللقاء الأول لي معه..مع الصورة المجسمة لحبيبي الراحل..صورة خلتها عادت من لحم ودم كما كانت قبل أعوام..زوجي وحبيبي حسن..الهيئة نفسها..والمنضر نفسه,وله ذات الوجه الأسمر المهيب والشارب الأسود الخفيف..والشفتان ذاتهما الغاضبتان من العالم بأسره..هو..هو بشحمه ولحمه..هو هذا المريض..خالد..ظهوره سكب الملح على جراحي وأيقض حنيا يسكن الضلوع..ضهوره أعاد لي ذكريات الماضي القريب إلى نفسي,لم يكن حبي له وليد المصادفة..أو الضروف..بل ولد معي وتنفسته مع هوائي وعايشته بأجوائي..فهو ابن عمي وأقرب قريب لي..أحببته منذ الطفولة وعايشته في صباي وتعاهدن على الزواج ونحن على مشارف المراهقة..لم يخب أبواي رجائي..ولم تكتنف طريق حبنا عثرة من أي نوع..كان كل شيء سهلا ميسرا بصورة تبعث على الشك..وكيف ليى أن أرتاب في أن سعادتي ستغتال في أقرب فرصة..وأنني سأعود عما قريب صفر اليدين وحيدة إلا من ذكرياتي..أجتر أحزان هائلة يعجز عنها قلب بشر..وجراح عميقة تمزق أعت القلوب..
زففت إلى حسن في ليلة حلوة بهيجة..رقص فيه كل شيء حولي,حتى أشياء حجرتي الصغيرة..ارتديت الثوب الأبيض الذي أهداه لي حسن,والعقد الماسي الذي قال لي يوما أنه يحاكي لون قلبي..
بدوة جميلة كما لم أكن أبدا من قبل..سعادتي الداخلية أطفت على مظهري الخارجي رونقا لم أكن أعهده..غدوت حديث الجميع في تلك الليلة حتى ابنة خالتي الغيورة همست بحقد إخترق أذني:
- إنها تبدو جميلة على غير العادة..
لم أعر أحدا إنتباهن ومضيت في طريقي غير عابئة بأح استقبل سعادتي المنتظرة بكل شوق وحب ولهفة..
تزوجت..وتفقت معه أن لا يفرقن عن بعض إلا الموت..وهيهات للموت أن يتغلغل إلى أفكارنا حين ذاك,ونحن في قمة الفرح والسعادة..كانت كلمة الموت في ذالك الوقت بالنسبة لنا كقصة اصطورية..كضهور طبق طائر في الفضاء تثير صخريتنا أكثر مما تثير خوفنا..
وتكلل حبنا بضهور أول طفل لنا..وقتها ضهرت أول مشكلة في حياتنا..كانت تبدو لي حينها ضخمة مجسمة محيرة..وهي إكمال دراستي في كلية الطب,وقد إجتزت المستوى الثالث بنجاح مشرف..اعترض حسن على ذالك وقال لي بأن رعاية الطفل أهم..بينما أصررت على رايي وخيرته بين إكمال دراستي وحياتنا معا..
تذكرت الدموع التي انسابت على وجهه حين ذاك وهو يهمس:
- ألهذه الدرجة أبدو تافه في نضرك..تفضلين دراستك علي؟
أسرعت إليه تسابق دموعي دموعه..وأعلنت له بكل حرارة بأن حبي له وحياتي معه أثمن من أي شهادة في العالم..ومضت حياتنا في سعادة خالصة حتى أحسست بما إعترى زوجي وحبيبي من تغير..لاحضت شحوبه ونحوله..وشروده الدائم والصداع القاتل الذي يكاد يمزق رأسه..طلبت منه مرارن أن يعرض نفسه على طبيب..
إجابته الدائمة كانت أن مابه لا يعد صداع نصفي ستقضي عليه المسكنات وأن هذا هو تشخيص كل طبيب زاره..
إحساس خفي يؤكد لي أنه يكذب,وأنه يحاول أن يجنبني عذاب لا طاقة لي بحمله..
قلبي يود تصديقه وينفي كل إحتمال أخر بكذبه..وكيف لي أن أكذبه وهو حياتي التي اعيشها وعمري الذي احياه حتى صقط بين أقدامي ذات يوم فاقد الوعي..حاولت إسعافه بأدويته التي يتناوله عادة,ولكن بدون أية فائدة..اتصلت بوالده الذي حضر على الفور وساعدني على إفاقته من الغيبوبة ودموعه لاتفارق خديه..
-هتفة جزعة:عمي..ماذا حصل..هل زوجي حسن مريض؟
هز رأسه دون أن يتكلم..
صرخت دون وعي:
- مابه؟
ارتجفت شفتاه وهو يقول برهبة:
- ذلك المرض اللعين..السلطان..
أغمي غلي وأفقت على واقع بشع مخيف..يخلو من حبيب العمر حسن..انطفأت شمعة حياتي وغدا عالمي حالك الضلام..حالك الدواد..
صرختمن أعماقي..لماذا لم تخبرني من قبل؟لم لم تدعني أشاركك مأساتك ومرضك وعذابك وقد تشاركن من قبل في كل شيء..في حلاوة الدنيا ومرارتها.لم حاولت أن تجنبني العذاب لأصحو على عذاب أشد قسوة..وأكثر مرارة..لما حرمتني من وداعك..لأعطيك من أنفاسي حرارة تبعث الحياة في جسدك وأعطيك من حبي دفقة أمل تواجه به المرض الكاسر وتهزمه..وضاعت صرخاتي وسط صدى الأحزان ولكني لم أبك..لم أذرف دمعة واحدة..تحجرت دموعي لتدميني من الداخل ول تفرج أحزان تشق من حمله الأضلاع ..
كل شيء يذكرني به..كل كلمة أستشعره بوجوده..حتى وجه طفلي الحبيب أبيت النضر إليه ودموع الداخل تنساب دون حساب..وعيناي جافتان بدون دموع..فقط حين رأيت خالد بكيت!!فوجودهأعاد صورة حسن إلى ذهني..بشبابه وصحته وحيويته..حسن كما عرفته دائما وكما تمنيت دائما أن يكوم..ضهور خالد أعادني إلى واقع لطالما أردت الهروب منه..إن حسن موجود بأعماقي لم يمت ولن يمت..هو حبي الوحيد الذي يسري في دمائي,ولن أنساه ماحييت رغم إنشغالي بدراستي في السنوات الماضية,وتخرجي من الجامعة..حتى طفلي لم ينس والده,وما فتئ يذكره في صحوه ومنامه ويسألني عنه في كل شاردة وواردة وماذا كان يحب وماذا كان يكره رغم مرور سيع سنوات على رحيله..
أيقضني صوت المعلمة من تأملاتي:
- دكتوره..لقد حان موعد الإنصراف..هل ترغبين بشيء؟
مسحت دمعة فرت من عيني وأنا أجيبه بستسلام:
- شكرن ياهدى..مع السلامة
* * * *
________________________________________
يتبع
بعد شوفت ردودكم الحلوة