[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
يقول بعض الناس: (ينبغي أن لا نضيع جهودنا وأوقاتنا في أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر حيث إنهم لا يستجيبون).
بيان حقيقة هذه الشبهة:...
1- لا يشترط لوجوب الاحتساب قبول الناس.
2- الحكم على الناس بعدم الاستجابة من الأمور الغيبية.
3- وجوب التأسي بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر.
أولا: لا يشترط لوجوب الاحتساب قبول الناس:
لم يشترط الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استجابة الناس، بل أوجب الله تعالى على نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى أمته تبليغ الناس أوامره ونواهيه سواء استجابوا أم لم يستجيبوا. وقد وردت نصوص كثيرة تبين هذا. منها على سبيل المثال قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا البَلَاغُ المُبِينُ [النور:54].
ومنها قوله تعالى: فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلَاغُ [آل عمران: 20].
ومنها قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلَاغُ المُبِينُ [المائدة: 92].
ومنها قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلَاغُ المُبِينُ [النحل: 82].
ومنها قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلَاغُ المُبِينُ [التغابن: 12].
ومنها قوله تعالى: فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا البَلَاغُ المُبِينُ [النحل: 35].
ومنها قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ [هود: 57].
ومنها قوله تعالى: وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلَاغُ وَعَلَيْنَا الحِسَابُ [الرعد: 40].
ومنها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: 67].
ومنها قوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية: 21-22].
فمهمة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهكذا مهمة أمته أن يبلغوا الناس أوامر الله تعالى ونواهيه ويذكروهم سواء استجابوا أم لم يستجيبوا ولا عذر لهم عند الله لترك هذه المهمة الجليلة بسبب إعراض الناس عنهم. وفي هذا الصدد يقول الإمام النووي: (وقال العلماء رضي الله عنهم: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين). وقد قدمنا أن الذي عليه الأمر والنهي لا القبول، وكما قال الله عز وجل: مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا البَلَاغُ ((شرح النووي على صحيح مسلم))
ومما يؤكد هذا ما قصه الله تعالى عن أصحاب السبت حيث استمر الصالحون في نهي العصاة عن التحايل للصيد يوم السبت، ولم يتركوا الاحتساب بسبب عدم استجابة العصاة، بل صرحوا أنهم يقصدون من وراء احتسابهم أمرين:
أ- أن يقبل عذرهم عند الله تعالى.
ب- لعل العصاة يستجيبون فيتركون التحايل ويتوبون إلى الله تعالى.
يقول سبحانه وتعالى عن قصتهم: وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأعراف: 164].
ويقول الإمام ابن العربي في تفسير الآية: (لما فعلوا هذا نهاهم كبراؤهم، ووعظهم أحبارهم فلم يقبلوا منهم فاستمروا في نهيهم لهم، ولم يمنع من التمادي على الوعظ والنهي عدم قبولهم لأنه فرض قبل أو لم يقبل، حتى قال لهم بعضهم: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ يعني في الدنيا أو مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قال لهم الناهون: مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ أي نقوم بفرضنا ليثبت عذرنا عند ربنا)
ثانياً: الحكم على الناس بعدم الاستجابة من الأمور الغيبية:
إن الحكم على الناس بأنهم لا يستفيدون من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأمور الغيبية التي لا يعرفها إلا العليم الخبير. إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع رب العباد، يقلبها متى شاء وكيف ما شاء. وما أسهل على الله تقليبها. فقد روى الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يصرفه حيث شاء)) رواه مسلم (2654). من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
وقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم سهولة تصريف قلوب العباد بتقليب ريشة بأرض فلاة. فقد روى الإمام ابن ماجه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل القلب مثل الريشة، تقلبها الرياح بفلاة)) رواه ابن ماجه (71). وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)). .
وكم من أشخاص يراهم الناس من أتقى الناس فيتحولون إلى أفسق الناس، وكم من أفسق الناس يأتيهم الموت وهم من أتقى الناس. هذه حقيقة نقرؤها في سير الناس، ونشاهدها في حياتنا اليومية، وبينها الصادق المصدوق الناطق بالوحي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إن العبد ليعمل – فيما يرى الناس – عمل أهل الجنة، وإنه من أهل النار، ويعمل – فيما يرى الناس – عمل أهل النار، وهو من أهل الجنة، وإنما الأعمال بخواتيهما)) واه البخاري (6607) بلفظ: ((الخواتيم)) ((بخواتيمها)). .
فإذا كان البشر يجهل خواتيم الآخرين فكيف يسوغ له أن يفترض أنهم لا يستجيبون، ويترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استناداً إلى هذا الافتراض؟
ثالثاً: وجوب التأسي بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر:
جعل الله تعالى في رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أسوة لنا حيث يقول عز من قائل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21]. قلنا أن نسأل أصحاب هذه الشبهة: هل ترك صلى الله عليه وسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نظراً لعدم استجابة الناس؟
كلا، بل استمر صلوات الله وسلامه عليه في ذلك في أشد الأحوال وأصعبها راجياً من الله هداية المخاطبين، بل هداية أجيالهم القادمة إن لم يستجب الجيل الموجود. وسيرته الطاهرة تدل على هذا. فقد روى الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟
فقال: ((لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيته منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني. فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك, وما ردوا عليك, وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. قال: فناداني ملك الجبال وسلم علي، ثم قال: يا محمد! إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني، فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئاً)) رواه مسلم (1795) .
هل يتوقع بعد ذلك ممن ينتسب إلى هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الحريص على هداية الناس أن يقول: (ينبغي أن لا نضيع جهودنا وأوقاتنا في أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر حيث إنهم لا يستجيبون؟).
احتجاج أصحاب الشبهة ببعض الآيات:
يحتج أصحاب هذه الشبهة ببعض النصوص التي جاء فيها – على حسب زعمهم – الأمر بالتذكير مشروطاً بالنفع، أو مخصوصاً لمن خاف الوعيد، أو خشي الرحمن بالغيب، واتبع الذكر. ومن هذه النصوص:
قوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى [الأعلى: 9].
وقوله تعالى: إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ [فاطر: 18].
وقوله تعالى: إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ [يس: 11].
وقوله تعالى: فَذَكِّرْ بِالقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ [ق: 45].
قالوا: نجد في هذه الآيات بأن الله تعالى اشترط لأمره بالتذكير نفع الذكرى، كما أرشد نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم أن يقتصر في إنذاره على (من يخاف الوعيد). (وخشي الرحمن بالغيب)، و(اتبع الذكرى).
لذا لا داعي لبذل الجهود في أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر وهم لا يستجيبون.
كشف النقاب عن حقيقة الاحتجاج:
سنبين بتوفيق الله تعالى حقيقة احتجاجهم بالآيات من وجهين:
1- النظر في سيرة من أنزل عليه صلى الله عليه وسلم تلك الآيات.
2- المراد بالآيات على ضوء تفسير المفسرين.
أولاً: النظر في سيرة من أنزل عليه صلى الله عليه وسلم تلك الآيات:
أنزلت تلك الآيات على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كان يتلوها على المؤمنين، ويعلمهم إياها، وإليه أسندت مهمة بيانها، وكان صلى الله عليه وسلم صورة حية لما نزلت عليه من الآيات لنا أن نسأل هؤلاء هل ترك صلى الله عليه وسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسبب إعراض الناس؟، كلا، فقد استمر في التذكير والإنذار رغم عناد الكفرة وتمردهم، والفهم الصحيح للآيات هو فهمه صلى الله عليه وسلم، وكل استنباط أو استدلال يعارض فهمه وعمله باطل ومردود على صاحبه.
ثانياً: المراد بالآيات على ضوء تفسير المفسرين:
بيَّن المفسرون المراد بتلك الآيات فأجادوا وأفادوا جزاهم الله تعالى عنا خير الجزاء، وسنذكر بعض ما ذكروا – بعون الله تعالى – في هذا المقام.
أما قوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى فنترك مجال تفسيره للإمام الرازي حيث يقول مثيراً بعض الأسئلة حوله:
السؤال الأول: أنه عليه السلام كان مبعوثاً إلى الكل فيجب عليه أن يذكرهم سواء نفعتهم الذكرى أم لم تنفعهم، فما المراد من تعليقه على الشرط في قوله: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى؟
الجواب: أن المعلق (بإن) على الشيء لا يلزم أن يكون عدماً عند عدم ذلك الشيء، ويدل عليه الآيات، منها هذه الآية.
ومنها قوله تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا [النور: 33].
ومنها قوله: وَاشْكُرُوا للهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة: 172].
ومنها قوله: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ [النساء: 101] فإن القصر جائز وإن لم يوجد الخوف.
ومنها قوله: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ [البقرة: 283]. والرهن جائز مع الكتابة.
ومنها قوله: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ [البقرة: 230]. والمراجعة جائزة بدون هذا الظن
ويتابع الإمام الرازي كلامه ويقول: (إذا عرفت هذا ذكروا لذكر هذا الشرط فوائد:
إحداها: أن من باشر فعلاً لغرض فلا شك أن الصورة التي علم فيها إفضاء تلك الوسيلة إلى ذلك الغرض، كان إلى ذلك الفعل أوجب من الصورة التي علم فيها عدم ذلك الإفضاء، فلذلك قال: إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى.
وثانيها: أنه تعالى ذكر أشرف الحالتين ونبه على الأخرى كقوله: سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ [النحل: 81] والتقدير فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى أو لم تنفع.
وثالثها: أن المراد به البعث على انتفاع بالذكرى كما يقول المرء لغيره إذا بين له الحق: وقد أوضحت لك إن كنت تعقل. فيكون مراده البعث على القبول والانتفاع.
ورابعها: أن هذا يجري مجرى تنبيه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا تنفعهم الذكرى كما يقال للرجل: ادع فلانا إن أجابك ما أراه يجبيك.
وخامسها: أنه عليه السلام دعا إلى الله كثيراً، وكلما كانت دعوته أكثر كان عتوهم أكثر، وكان عليه السلام يحترق حسرة على ذلك، فقيل له: وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ [ق: 45] إذ التذكير العام واجب في أول الأمر فأما التكرير فلعله إنما يجب عند رجاء حصول المقصود فلهذا المعنى قيده بهذا الشرط)
وأما قوله تعالى: إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ [فاطر: 18]. فبين المفسرون رحمهم الله تعالى بأن المنتفعين بالإنذار هم أولئك، وليس المعنى بأن غيرهم لا يذكر ولا ينذر. يقول أبو القاسم الغرناطي: (المعنى أن الإنذار لا ينفع إلا الذين يخشون ربهم، وليس المعنى اختصاصهم بالإنذار)
وأما قوله تعالى: إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ [يس: 11] فالمراد به – كما بين المفسرون – مثل المقصود بالآية السابقة. يقول أبو القاسم الغرناطي في تفسيره: (معناه كقوله: إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ وقد ذكرناه في فاطر)
وأما قوله تعالى: فَذَكِّرْ بِالقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ [ق: 45] فهو – كما يقول أبو القاسم الغرناطي – كقوله: إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ لأنه لا ينفع التذكير إلا من يخاف
فخلاصة القول أن الاستدلال بتلك الآيات على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسبب عدم استجابة الناس غير صحيح.
يقول بعض الناس: (ينبغي أن لا نضيع جهودنا وأوقاتنا في أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر حيث إنهم لا يستجيبون).
بيان حقيقة هذه الشبهة:...
1- لا يشترط لوجوب الاحتساب قبول الناس.
2- الحكم على الناس بعدم الاستجابة من الأمور الغيبية.
3- وجوب التأسي بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر.
أولا: لا يشترط لوجوب الاحتساب قبول الناس:
لم يشترط الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استجابة الناس، بل أوجب الله تعالى على نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى أمته تبليغ الناس أوامره ونواهيه سواء استجابوا أم لم يستجيبوا. وقد وردت نصوص كثيرة تبين هذا. منها على سبيل المثال قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا البَلَاغُ المُبِينُ [النور:54].
ومنها قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلَاغُ المُبِينُ [المائدة: 92].
ومنها قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلَاغُ المُبِينُ [النحل: 82].
ومنها قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلَاغُ المُبِينُ [التغابن: 12].
ومنها قوله تعالى: فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا البَلَاغُ المُبِينُ [النحل: 35].
ومنها قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ [هود: 57].
ومنها قوله تعالى: وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلَاغُ وَعَلَيْنَا الحِسَابُ [الرعد: 40].
ومنها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: 67].
ومنها قوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية: 21-22].
فمهمة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهكذا مهمة أمته أن يبلغوا الناس أوامر الله تعالى ونواهيه ويذكروهم سواء استجابوا أم لم يستجيبوا ولا عذر لهم عند الله لترك هذه المهمة الجليلة بسبب إعراض الناس عنهم. وفي هذا الصدد يقول الإمام النووي: (وقال العلماء رضي الله عنهم: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين). وقد قدمنا أن الذي عليه الأمر والنهي لا القبول، وكما قال الله عز وجل: مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا البَلَاغُ ((شرح النووي على صحيح مسلم))
ومما يؤكد هذا ما قصه الله تعالى عن أصحاب السبت حيث استمر الصالحون في نهي العصاة عن التحايل للصيد يوم السبت، ولم يتركوا الاحتساب بسبب عدم استجابة العصاة، بل صرحوا أنهم يقصدون من وراء احتسابهم أمرين:
أ- أن يقبل عذرهم عند الله تعالى.
ب- لعل العصاة يستجيبون فيتركون التحايل ويتوبون إلى الله تعالى.
يقول سبحانه وتعالى عن قصتهم: وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأعراف: 164].
ويقول الإمام ابن العربي في تفسير الآية: (لما فعلوا هذا نهاهم كبراؤهم، ووعظهم أحبارهم فلم يقبلوا منهم فاستمروا في نهيهم لهم، ولم يمنع من التمادي على الوعظ والنهي عدم قبولهم لأنه فرض قبل أو لم يقبل، حتى قال لهم بعضهم: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ يعني في الدنيا أو مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قال لهم الناهون: مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ أي نقوم بفرضنا ليثبت عذرنا عند ربنا)
ثانياً: الحكم على الناس بعدم الاستجابة من الأمور الغيبية:
إن الحكم على الناس بأنهم لا يستفيدون من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأمور الغيبية التي لا يعرفها إلا العليم الخبير. إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع رب العباد، يقلبها متى شاء وكيف ما شاء. وما أسهل على الله تقليبها. فقد روى الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يصرفه حيث شاء)) رواه مسلم (2654). من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
وقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم سهولة تصريف قلوب العباد بتقليب ريشة بأرض فلاة. فقد روى الإمام ابن ماجه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل القلب مثل الريشة، تقلبها الرياح بفلاة)) رواه ابن ماجه (71). وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)). .
وكم من أشخاص يراهم الناس من أتقى الناس فيتحولون إلى أفسق الناس، وكم من أفسق الناس يأتيهم الموت وهم من أتقى الناس. هذه حقيقة نقرؤها في سير الناس، ونشاهدها في حياتنا اليومية، وبينها الصادق المصدوق الناطق بالوحي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إن العبد ليعمل – فيما يرى الناس – عمل أهل الجنة، وإنه من أهل النار، ويعمل – فيما يرى الناس – عمل أهل النار، وهو من أهل الجنة، وإنما الأعمال بخواتيهما)) واه البخاري (6607) بلفظ: ((الخواتيم)) ((بخواتيمها)). .
فإذا كان البشر يجهل خواتيم الآخرين فكيف يسوغ له أن يفترض أنهم لا يستجيبون، ويترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استناداً إلى هذا الافتراض؟
ثالثاً: وجوب التأسي بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر:
جعل الله تعالى في رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أسوة لنا حيث يقول عز من قائل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21]. قلنا أن نسأل أصحاب هذه الشبهة: هل ترك صلى الله عليه وسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نظراً لعدم استجابة الناس؟
كلا، بل استمر صلوات الله وسلامه عليه في ذلك في أشد الأحوال وأصعبها راجياً من الله هداية المخاطبين، بل هداية أجيالهم القادمة إن لم يستجب الجيل الموجود. وسيرته الطاهرة تدل على هذا. فقد روى الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟
فقال: ((لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيته منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني. فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك, وما ردوا عليك, وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. قال: فناداني ملك الجبال وسلم علي، ثم قال: يا محمد! إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني، فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئاً)) رواه مسلم (1795) .
هل يتوقع بعد ذلك ممن ينتسب إلى هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الحريص على هداية الناس أن يقول: (ينبغي أن لا نضيع جهودنا وأوقاتنا في أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر حيث إنهم لا يستجيبون؟).
احتجاج أصحاب الشبهة ببعض الآيات:
يحتج أصحاب هذه الشبهة ببعض النصوص التي جاء فيها – على حسب زعمهم – الأمر بالتذكير مشروطاً بالنفع، أو مخصوصاً لمن خاف الوعيد، أو خشي الرحمن بالغيب، واتبع الذكر. ومن هذه النصوص:
قوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى [الأعلى: 9].
وقوله تعالى: إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ [فاطر: 18].
وقوله تعالى: إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ [يس: 11].
وقوله تعالى: فَذَكِّرْ بِالقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ [ق: 45].
قالوا: نجد في هذه الآيات بأن الله تعالى اشترط لأمره بالتذكير نفع الذكرى، كما أرشد نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم أن يقتصر في إنذاره على (من يخاف الوعيد). (وخشي الرحمن بالغيب)، و(اتبع الذكرى).
لذا لا داعي لبذل الجهود في أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر وهم لا يستجيبون.
كشف النقاب عن حقيقة الاحتجاج:
سنبين بتوفيق الله تعالى حقيقة احتجاجهم بالآيات من وجهين:
1- النظر في سيرة من أنزل عليه صلى الله عليه وسلم تلك الآيات.
2- المراد بالآيات على ضوء تفسير المفسرين.
أولاً: النظر في سيرة من أنزل عليه صلى الله عليه وسلم تلك الآيات:
أنزلت تلك الآيات على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كان يتلوها على المؤمنين، ويعلمهم إياها، وإليه أسندت مهمة بيانها، وكان صلى الله عليه وسلم صورة حية لما نزلت عليه من الآيات لنا أن نسأل هؤلاء هل ترك صلى الله عليه وسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسبب إعراض الناس؟، كلا، فقد استمر في التذكير والإنذار رغم عناد الكفرة وتمردهم، والفهم الصحيح للآيات هو فهمه صلى الله عليه وسلم، وكل استنباط أو استدلال يعارض فهمه وعمله باطل ومردود على صاحبه.
ثانياً: المراد بالآيات على ضوء تفسير المفسرين:
بيَّن المفسرون المراد بتلك الآيات فأجادوا وأفادوا جزاهم الله تعالى عنا خير الجزاء، وسنذكر بعض ما ذكروا – بعون الله تعالى – في هذا المقام.
أما قوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى فنترك مجال تفسيره للإمام الرازي حيث يقول مثيراً بعض الأسئلة حوله:
السؤال الأول: أنه عليه السلام كان مبعوثاً إلى الكل فيجب عليه أن يذكرهم سواء نفعتهم الذكرى أم لم تنفعهم، فما المراد من تعليقه على الشرط في قوله: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى؟
الجواب: أن المعلق (بإن) على الشيء لا يلزم أن يكون عدماً عند عدم ذلك الشيء، ويدل عليه الآيات، منها هذه الآية.
ومنها قوله تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا [النور: 33].
ومنها قوله: وَاشْكُرُوا للهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة: 172].
ومنها قوله: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ [النساء: 101] فإن القصر جائز وإن لم يوجد الخوف.
ومنها قوله: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ [البقرة: 283]. والرهن جائز مع الكتابة.
ومنها قوله: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ [البقرة: 230]. والمراجعة جائزة بدون هذا الظن
ويتابع الإمام الرازي كلامه ويقول: (إذا عرفت هذا ذكروا لذكر هذا الشرط فوائد:
إحداها: أن من باشر فعلاً لغرض فلا شك أن الصورة التي علم فيها إفضاء تلك الوسيلة إلى ذلك الغرض، كان إلى ذلك الفعل أوجب من الصورة التي علم فيها عدم ذلك الإفضاء، فلذلك قال: إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى.
وثانيها: أنه تعالى ذكر أشرف الحالتين ونبه على الأخرى كقوله: سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ [النحل: 81] والتقدير فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى أو لم تنفع.
وثالثها: أن المراد به البعث على انتفاع بالذكرى كما يقول المرء لغيره إذا بين له الحق: وقد أوضحت لك إن كنت تعقل. فيكون مراده البعث على القبول والانتفاع.
ورابعها: أن هذا يجري مجرى تنبيه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا تنفعهم الذكرى كما يقال للرجل: ادع فلانا إن أجابك ما أراه يجبيك.
وخامسها: أنه عليه السلام دعا إلى الله كثيراً، وكلما كانت دعوته أكثر كان عتوهم أكثر، وكان عليه السلام يحترق حسرة على ذلك، فقيل له: وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ [ق: 45] إذ التذكير العام واجب في أول الأمر فأما التكرير فلعله إنما يجب عند رجاء حصول المقصود فلهذا المعنى قيده بهذا الشرط)
وأما قوله تعالى: إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ [فاطر: 18]. فبين المفسرون رحمهم الله تعالى بأن المنتفعين بالإنذار هم أولئك، وليس المعنى بأن غيرهم لا يذكر ولا ينذر. يقول أبو القاسم الغرناطي: (المعنى أن الإنذار لا ينفع إلا الذين يخشون ربهم، وليس المعنى اختصاصهم بالإنذار)
وأما قوله تعالى: إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ [يس: 11] فالمراد به – كما بين المفسرون – مثل المقصود بالآية السابقة. يقول أبو القاسم الغرناطي في تفسيره: (معناه كقوله: إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ وقد ذكرناه في فاطر)
وأما قوله تعالى: فَذَكِّرْ بِالقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ [ق: 45] فهو – كما يقول أبو القاسم الغرناطي – كقوله: إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ لأنه لا ينفع التذكير إلا من يخاف
فخلاصة القول أن الاستدلال بتلك الآيات على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسبب عدم استجابة الناس غير صحيح.