تعتبر مشكلة الفقر من المشكلات الاجتماعية الخطيرة التي تهدد أمن واستقرارالمجتمعات، كما أن جميع المجتمعات مهما كان درجة ثرائها وتطورها تعاني من هذه المشكلةوتعمل جاهدة في سبيل الحد منها ومن آثارها سواء على المستوى أو الأسري والمجتمعي. واذا أردنا التحدث عن تأثير الفقر على الأفراد والأطفال بشكل خاص فيجب أن نشير أولاً لبعض الدراسات العلمية والبحثية والتي أثبتت بأن الفقر لا يقتصر تأثيره على الأفراد كونه فقط نقصاً في المال أوً في الطعام، لكنه أيضاً السبب الأول للأمراض النفسية والكثير من الأمراض العضوية.
فلقد أثبتت الدراسات منذ عقود أن هناك علاقة طردية بين الفقر والمرض النفسي.. فكلما زادت نسبة الفقر، زاد المرض النفسي بشتى صوره وأهمها الاكتئاب والقلق و الفصام والوسواس القهري و الأدمان.
فبناءً على المؤتمر الثاني عشر لاتحاد الأطباء النفسيين العالمي المنعقد في اليابان و المنبثقعن منظمة الصحة العالمية فأن السبب الأول للأمراض النفسية ,و التي تعتبر أكثر المشاكل الصحية انتشاراً بالعالم في القرن الحادي والعشرين, هو الفقر.
أذا نظرنا للأسر الفقيرة في مجتمعنا فنلاحظ بأن الفقر والعوز وعدم تناسب الدخل الشهري مع عدد أفراد الأسرة واحتياجاتها ليس بالتحدي الوحيد الذي تعاني منه، فالتفكك الأسري وغياب أحدى الوالدين أو معاناة أحدهم(غالباً الأب) من المرض النفسي أو الإدمان وضعف الروابط الاجتماعية أيضاً من التحديات التي تعايشها تلك الأسر باستمرار. مما يجعل رعاية الأطفال نفسياً وتربوياً والاهتمام بهم ومراقبتهم ليس من أولويات الوالدين أما بسبب ضعف الوعي لديهم أو بسبب انشغالهم بإطعام تلك الأفواه الصغيرة قبل التفكير بالاهتمام بتربيتها ومتابعتها.
أما أذا أردانا التحدث عن تأثير الفقر على الأطفال من الناحية السلوكية والنفسية و الاجتماعية, فنستطيع القول بأن الأطفال في الأسر الفقيرة لا يعانون فقط من شح المال والغذاء ورداءة المسكن ولكنهم يعانون أيضا من شح في التربية النفسية والسلوكية الصحيحة ومن ضعف الرقابة الأسرية وتدني مستوى الوعي مما يعرضهم للكثير من الخبرات والمواقف السلبية في سن صغيرة جدا تؤدي إلى مشاكل نفسية وسلوكية في المستقبل حيث أنهم أرضية خصبة لأشكال معينة من الانحرافات. ففي الأحياء الفقيرة ينتشر خروج الأطفال منذ سن صغيرة جداً إلى الشوارع والتسكع لساعات طويلة والاختلاط مع فئات عمرية و عرقية مختلفة ومتعددة دون أدنى راقبه والدية أو أدراك لخطورة هذا الأمر مما يوقع الطفل في مشاكل سلوكية متعددة مثل التدخين والسرقة كما أن الكثير من الأطفال يصبح ضحية لتحرشات الجنسية وأحياناً اعتداءات جنسية غير معلنة. كما أن ضعف الرعاية الو الدية والمتابعة يؤثر بشكل سلبي على التحصيل الدراسي للأطفال فتكثر مشاكل الهروب من المدرسة والرسوب المتكرر و الانقطاع عن الدراسة في مرحلة تعليمية مبكرة في الطبقات الفقيرة من المجتمع.
لهذا عندما يعيش الطفل أغلب وقته بعيداً عن الرقابة الأسرية وعن التوجيه و الإرشاد الذي تقدمة المدرسة فأنه يبدأ بتبني ثقافة الشارع والتي تشجع السلوك المنحرف والعدواني والغير مقبول اجتماعيا وتصبح مصدراً للفخر ولإثبات الكفاءة والشجاعة فتنتشر ممارسة السرقة والتدخين وتعاطي المخدرات فيما بينهم.
وكما هو معروف بأن مرحلة الطفولة من أخطر مراحل النمو في حياة الإنسان حيث إن شخصية الإنسان تتشكل معالمها الأساسية سلباً أو ايجابيا في مرحلة الطفولة, بالتالي يجب الاهتمام بهؤلاء الأطفال وتامين كافة متطلبات وشروط النمو النفسي والعقلي والبدني والمعرفي السليم لهم حتى لا ينشأ لدينا جيل يعيش على هامش المجتمع ينتشر به البطالة والانحرافات السلوكية والجهل. فهؤلاء الأطفال هم جيل المستقبل و رجاله.